الحادي عشر من المزايا : شدة الإمام محمد بن عبد الوهاب ـ يرحمه الله ـ على أهل المنكر ، والمنكرات التي ثبت كونها منكراً ، ومن ذلك : شدته على السحرة ، وأصحاب الكهانة والتمائم المحرمة والغناء الباطل وما إلى ذلك ، فكلها منكرة، ولذلك أتى عليها .
فالغناء بآلات الطرب وما إليه كلها من الأشياء المنكرة المحرمة .
وليُعلم أن الغناء بالمعازف غير الدف قد اتفق الفقهاء على حرمته، وعدم جوازه، وعلى هذا أيضاً اتفاق المذاهب الأربعة ، وحكاه ابن قيم الجوزية في ((مسألة السماع)) ، وكذا ابن رجب إجماعاً عن السلف الصالح، أي على حرمة ذلك وعدم جوازه .
وينبغي ألا يُتساهل أيها الإخوة الأحبة في المنكرات ، وتركها تذهب يميناً وشمالاً في بيوتنا وغيرها، فيصبح الإنسان على إيقاعات موسيقية ويُمسي عليها، ويُربّى الصغار على المنكرات والمحرمات من موسيقى ، ويُعَلَّمون هذا ربما في بعض المدارس مع الأسف ، إلى غير ذلك ، هذه كلها من المنكرات .
ومن المنكرات أيضاً : السُّفُور المحرم فتجد المرأة لا تأخذ حجابها الواجب عليها ، ثم تقع بها الفتنة للشباب ، وتقع الفتن إلى زنا، إلى ما يُسمَّى بالمعاكسات الهاتفية وغيرها وهي بريدٌ للزنا عياذاً بالله، وطريقٌ إليه ، وكم من حوادث وقعت في ذلك .
استمع يا رعاك الله إلى إنكار الإمام محمد بن عبد الوهاب على بعض الأشياء ، وشدته في ذلك ، من ذلك ما قاله في الرسالة الحادية عشرة من : ((مجموع مؤلفاته)) في صفحتها الثالثة والسبعين، وفي ((الدرر السنية)) في مجلدها الثامن وصفحتها التاسعة والخمسين حيث قال : ((لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً، فإنها شعائر الشرك والكفر، وهي أعظم المنكرات، فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة، وهذا حُكم المشاهد التي بُنيت على القبور التي اتُخذت أوثاناً تُعبد من دون الله، والأحجار التي تُقصد للتبرك والنذر والتقبل لا يجوز إبقاء شيءٍ منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته، وكثيرٌ منها بمنـزلة اللات والعُزى ومناة الثالثة الأخرى بل أعظم شركاً عندها وبها والله المستعان)) كذا قال .
وقال كما في ((مجموع مؤلفاته)) في القسم الرابع في صفحته السابعة والثمانين بعد المائة قال : ((ومنها تحريق أمكنة المعصية، كما حُرِّق مسجد الضِرار، وكل مكانٍ مثله ، فالواجب على الإمام تعطليه إما بهدمٍ أو تحريقٍ وإما بتغيير صورته وإخراجه عمّا وُضع له …. )) .
ثم قال : ((وعلى هذا فيُهدم المسجد الذي بني على قبر ، كما يُنبَش الميت إذا دفن في المسجد، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله، وغربتُه بين الناس كما ترى)) كذا قال ـ يرحمه الله ـ ـ أي : أن الواقع اليوم خلاف هذا في كثيرٍ من الأماكن ، لكن والحمد لله أصبحت بلاد الحرمين ـ حرسها الله من كل عدوان وإثم ـ مضرب مثل في تطهيرها من هذه المنكرات المعروفات
أما الأمر الأخير والميزة الأخيرة الثانية عشرة : فهو ما يتعلق في منهجه رحمه الله في التعامل مع مسائل الفقه والفروع، حيث إنه قرر في ذلك شيئين معلومين لمن تتبع رسائله وكتبه وتقريراته رحمه الله :
الشيء الأول : أن الحق ليس منحصراً في المذاهب الأربعة الفقهية مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله ورضي عنهم ، ولا ريب أن الله لم يأمرنا أصالةٍ باتباع هذه المذاهب الأربعة ، ولا بالتزام مذهبٍ منها البتة ، وإنما جاء ذلك واضحاً في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم باتباع كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويكون ذلك على فهم السلف الأول .
وأما الشيء الثاني : فهو ما يتعلَّق باتباع الدليل ، فهو يدور معه أنّى دار، حتى ولو خالف شيخه وقدوته الإمام ابن تيمية ـ يرحمه الله ـ ، ومن ذلك : ذهابه إلى أن الإسبال تحت الكعبين للرجال لغير كبرٍ وخيلاء حرام ولا يجوز . والمعروف عن شيخ الإسلام ابن تيميَّة على ما نقله ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) والسفاريني في ((غذاء الألباب)) وجماعة أن شيخ الإسلام لم يذهب إلى تحريم ذلك، بل قطع بعدم تحريم الإسبال في الحالة السابقة ، وسكت عن الكراهة. كذا قال ابن مفلح ـ يرحمه الله ـ .
وعليه فإن هاتين القاعدتين هي المقررة في رسائله وفتاويه واستعمالاته ـ يرحمه الله ـ ، وإليه جاءت الإشارة في أمر الأدلة في : ((ثلاثة الأصول)) في أولها حيث ذكر أنه يجب على كل مسلمٍ ومسلمة إتباع دين الإسلام بالأدلة ، ومراده كذا لعله أن يعرف الإنسان الإسلام على وجهٍ معلوم ليس على وجهٍ تقليدي مذموم، فإن ذلك لابد للإنسان منه. كذا هو المفهوم من كلامه ، وفيه إشارة إلى ذلك . ولا ريب أيها الأحبة أن الإنسان إذا عَلِم الحق بدليله ، واستبان له بدليله، فالواجب عليه أن يتّبعه ، ولو خالف المذاهب الأربعة كلها ، ولو خالف مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد أو غيرهم ، إذ الإنسان إذا علم الحق بدليله وجب أن يدور معه حينئذٍ ، ولذلك انعقد الإجماع على ذلك على ما حكاه جماعة، وقاله الشافعي ـ يرحمه الله ـ .
تلك هي مزايا دعوة الإمام المجدد داعية التوحيد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بها تعلم دعوته ، وتدري طريقته، فليس مبتدعاً شيئاً جديداً، ولا آتٍ بدين إرهابي كما يقوله بعض الناس، ولا شيئاً من ذلك الذي يُزعم من باطلٍ لا يصح عنه ـ يرحمه الله ـ .
إنما كانت تلك الكلمات في هذا الزمان بياناً للحقيقة، وحصراً لما عليه ذلك الإمام ـ يرحمه الله ـ .
سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يُميتنا وإياكم على السنة، وأن يقينا مصرع أهل البدعة، اللهم اجعلنا دعاة إلى سبيلك، هداةً إلى دينك، اللهم اجعلنا عالمين عاملين، هداةً متقين، وصلى الله على عبده ورسوله محمد .
منقول بتصريف