ومن ذلك أيضاً بدع تتعلق بغير العقائد أصالةً وربما أُدخل فيها عقائد فاسدة، ومن ذلك ما أنكره الإمام محمد بن عبد الوهاب من بدعة المولد التي يقع فيها ما لا يُرضي الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولما فيها من مضاهاةٍ للنصارى في ميلاد عيسى كذا قال ـ يرحمه الله ـ ، حيث قال ما نصُّه كما في ملحق المصنفات في صفحته الثامنة والثمانين قال : ((الأعياد من الشرائع فيجب فيها الإتباع، وما أُحدث في المولد إما مضاهاةً للنصارى في ميلاد عيسى ، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، ويصحب هذه الأعمال من الرياء والكبر والاشتغال عن المشروع ما يُفسد حال صاحبها)) كذا قال ـ يرحمه الله ـ .
ويلحق في ذلك أيضاً : الغلو والإطراء الذي يقع من بعضٍ من تلاةِ قصائد المديح ، فربما وقعوا في الشرك عياذاً بالله، من قصائد يُتغنَّى بها، وأهازيجَ تُنشَد ، كل ذلك مدحاً في النبي صلى الله عليه وسلم ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم هو الذي نهى عن إطراءه ذلك الإطراء ، ومن ذلك ما جاء في ((البخاري)) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((لا تطروني كما أطرتِ النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله)) فإن ذلك من البدع وبدعة المولد من البدع الحادثة بالإجماع لا خلاف في ذلك، واشتهر أن الذين أحدثوه: الفاطميون أصحاب العقائد المنحرفة المشهورة، وقد حكى ذلك جماعات، ومنهم : الفَاكِهَاني ـ يرحمه الله ـ، وكذا السخاوي – يرحمه الله - في آخرين .
ومن البدع أيضاً : التبرك بالتمسُّح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الأولياء والصالحين، فيأتي إنسان إلى خشباتٍ قد رُفعت فوق القبر، أو بناءٍ قد ضَمَّ ذلك الضريح ، فيتمسَّح بخده ، ويشقُّ المَرائر قَدَّا على هذا القبر والضريح ، ولا ريب أن هذه من البدع التي دخلت على المسلمين، ولكن الزيارة المشروعة للقبور التي هي قبورٌ صحيحة في أماكنها المعروفة ، صحيحة ولا شيء فيها .
وليُعلم أن الزيارة للقبور تأتي على نوعين :
أما النوع الأول : فنوعٌ غير مشروع ، ومن ذلك : أن يَشُدَّ الإنسانُ الرحال ويسافر من بلده إلى بلدٍ آخر ليزور القبور ؛ فإن ذلك من المنهي عنه، ويدل على صحة ذلك ورُجْحَانه وأنه هو ألحق : أدلة ومن ذلك: ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه قال : ((لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)) قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة ـ يرحمه الله ـ في بعض رسائله : ((يؤخذ من ذلك أن غيرها لا يجوز له أن يُشَدّ الرحل)) وعليه فلا يجوز أن يشد الرحل الإنسان أي يسافر إلى القبور . هذا هو مذهب الحنابلة في آخرين في المسألة . وقد يرتفع الأمر إلى الشرك عياذاً بالله كأن يذهب الإنسان ليسجد لهذا الضريح أو يعبد هذا الضريح ولو كان النبي محمداً صلى الله عليه وسلم ، يأتي إنسان من الهند أو من السند أو من أماكن بعيدة، فيدخل إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فيسجد للنبي محمد ، صلى الله عليه وسلم ويُقدم عبادات للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا لا يجوز في حقه لا حياً ولا ميتاً صلى الله عليه وسلم ، وصَرْف عبادة من العبادات لغير الله سبحانه وتعالى مما هو من خصائص الله كفرٌ وشركٌ وضلالٌ بيقين لا شك فيه .
وأما الشيء الثاني : فزيارة مشروعة ، ومن ذلك : أن يزور الإنسان قبراً في بلده، أو مقبرةً في بلده بدون فعل منكراتٍ أو شركياتٍ وبدع وخزعبلات هناك.
المَيْزَة العاشرة : ما يتعلَّق بالتصوف ، حيث إن الإمام محمد ابن عبدالوهاب ـ يرحمه الله ـ قد أعلن إنكاره للتصوف جملةً وتفصيلاً ، وأنكره، وكفَّر ابن عربي وابن الفارض ، ومن سار مسيرتهم .
ولا شك أن التصوف الذي فيه اتخاذ طريقه يُظنّ أنها تُوصِل إلى الله غير طريقة النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم : باطل ، وإنكاره متعيّن ، وهو من الضلالات والخزعبلات، ومن ذلك : الطُرق الصوفية المضلَّة التي يفعل فيها الضلال والباطل والمنكر عياذاً بالله، فكيف إذا وقع فيها اختلاط ووقع فيها أشياء وأشياء معروف بطلانها عند الناس .
وكذلك يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب في ذلك كما في ((مجموع مؤلفاته)) في الرسائل الشخصية في الرسالة الحادية عشرة في صفحتها الثامنة والستين، وكذا في ((الدرر السنية)) في مجلدها الثامن وصفحتها السادسة والخمسين قال : ((وقال أيضاً ـ يعني : صاحب الإقناع ـ في أثناء الباب ـ أي : باب الردة ـ : ومن اعتقد أن لأحدٍ طريقاً إلى الله غير متابعة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، أو لا يجب عليه اتباعه ، أو أن لغيره خروجاً عن اتباعه ، أو قال أنا محتاجٌ إليه في علم الظاهر دون علم الحقيقة أو قال : إن من العلماء من يسعه الخروج عن شريعته كما وَسِعَ الخَضِر الخروج عن شريعة موسى : كفر في ذلك كله . ولو تعرف من قال هذا ـ وهو يخاطب رحمه الله شخصاً برسالته ـ . قال ولو تعرف من قال هذا الكلام فيه وجزم بكفرهم وعلمت ما هم عليه من الزهد والعبادة وأنهم عند أكثر أهل زماننا من أعظم الأولياء لقضيتَ العجب)) كذا قال ـ يرحمه الله ـ في رسالةٍ لبعض الناس .
وهنا اشتد إنكار الإمام محمد ـ يرحمه الله ـ على قصائد الصوفية التي فيها شركيات أو إطراء باطل للنبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك : تكفيره لابن عربي (النكرة) ، و ابن عربي له جمل وكلمات ظاهرها كفر، يُقطع بأن ظاهرها كفر قطعاً باتفاق لا خلاف في ذلك، ولذلك كفَّر ابنَ عربي جماعات، وألف في ذلك بعضٌ كتباً ، ومنهم : برهان الدين البقاعي (المتوفى سنة خمسٍ وثمانين بعد المائة الثامنة للهجرة) في كتابه : ((تنبيه الغبيّ إلى تكفير ابن عربي)) كذا قال ، وإنما نازع بعضٌ من المتأخرين في تكفير ابن عربي أنَّ هذه الكلمات دُسَّت عليه ، أو هذه الجُمل ليس المراد الظاهر منها ، وإنما معانٍ إشارية، لكن قطعاً هذه الجمل تلك الكلمات المنسوبة إليه لو صحَّت عنه وأُخِذَ بظاهرها فهي كفر ، هذا لا خلاف فيه، فليحذر الناس من تلك الجمل ، ومن تلك الكفريات المنسوبة إلى ابن عربي أو شاكلته، لو اخترع الناس اليوم بعض الطرق الكفرية أيضاً هذا يحرم ولا يجوز، وعلى هذا قِسْ .
وعليه فالطرق المُضِلَّة الصوفية التي يتّبعها الناس ، ففيها ما فيها على ما سبق ، فإن ذلك كله باطل، ولا يجوز ، ويكفينا شرع ربنا، يكفينا شرع ربنا، الدين كامل ، لا نقصان فيه ، ليس بحاجة إلى أحد يأتي ليُتمِّم ديننا .